![]() |
حكايتي مع النملة |
موقف حقيقي
كنت جالسا أتأمل أحوالي وأحوال من حولي من البشر، وتدور في ذهني العديد من التساؤلات: لماذا لا يرى كثير منا الأمور على حقيقتها؟ لماذا أصبحنا لا نستطيع أن نميز بين الصديق والعدو؟ لماذا نسير في طريق خاطئ ظنا منا أنه هو الطريق الصحيح؟ وفجأة نجد أنفسنا قد ضعينا ما نملك أو ضيعنا من نحب بسبب غشاوة كانت على العقل، ورفضنا الاستماع لصوت الحكمة، وتمادينا في المضي قدما في طريق أوصلنا لنتيجة لا نرضاها. وبينما تدور كل هذه التساؤلات في ذهني، وجدت نملة تسير في طريقها وكان بجواري كوب من الماء. أحطت النملة بالماء من كل الجهات وتركت لها مخرجا صغيرا تستطيع المرور من خلاله، ثم راقبت تصرفها حيال هذا الأمر.
حدث أمرا غريبا بالنسبة
لي، وهو أن النملة تصر إصرارا عجيبا على السير بعيدا عن المخرج الذي صنعته لها،
وتكمل مسيرها نحو اتجاه الغرق في الماء، جلبت عصاة صغيرة جدا وحاولت تعديل مسارها
نحو المخرج، ولكنها تصر بغرابة شديدة على السير في اتجاه الماء، وهذا لا شك سيقضي
عليها لأنها ستموت غرقا. كررت المحاولة مرات عديدة لتعديل مسار النملة نحو المخرج
وفي كل مرة تصر النملة على السير في طريق الهلكة؛ حتى إذا مللت من إصرارها فتركتها
تسير في طريق الموت حتى غرقت بالفعل وماتت.
بعد انتهاء الموقف، سألت نفسي: ما العبرة مما حدث؟ وجدتني أقول التالي:
· على الرغم من أن النملة
كائن غير عاقل لا يملك آليات التفكير التي يملكها الإنسان، إلا أنني لم أصبر عليها
لأنها ضلت طريقها الصحيح، وأصرت على السير في طريق الموت، فما بالنا نحن الذين
وهبنا الله العقل الذ يميز بين الخير والشر، ويعرف عاقبة كل منهما، وبعضنا يصر على
السير في طريق الشر، وبرغم ذلك يصبر علينا الله لعلنا نتوب ونرجع إليه، ولم يهلكنا
بمجرد إصرارنا على الذنب، بل يعطينا الفرصة لآخر لحظة في حياتنا. فالنبي صلى الله
عليه وسلم أخبرنا بأن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. فما أرحمك بنا يا رب
العالمين
· كثير منا لا يبصر
الحقيقة، ويسير وراء سراب دون التحقق عما إذا كان ما يفعله صوابا أم خطأ، والأكيد
أننا في حال رغبة التحقق من صحة مسارنا في التعامل مع المشكلة، علينا أن نستشير
أهل الاختصاص وليس استشارة شخص من العائلة أو صديق مقرب، لأن الرد لن يكون بناء
على خبرة وعلم، بل يكون بناء على تعاطف ومحبة فقط وبالتالي ستكون الاستشارة بعيدة
عن المهنية التي تمكن من إيجاد حلول ناجعة. فمثلا: إذا وقعت الزوجة في مشكلة مع
زوجها، عندما تستشير أبيها، أو أخيها، أو أمها، أو أختها؛ فإنه بلا شك سيكون هناك تحيزا
للزوجة وبالتالي ستكون النصيحة أو التوجيه غير سليم قد يؤدي إلى تفاقم المشكلة.
وهذا ما رأيته في كثير من المشكلات الأسرية التي كانت تأتيني للاستشارة؛ حيث كنت أجد
أن بعض حالات الطلاق بين الزوجين كانت سببها الرئيس هو أحد أفراد العائلة (الأب،
أو الأخ، أو الأم، أو الأخت) الذي قام بإعطاء نصيحة وتوجيه خاطئ (للزوج أو الزوجة)
مما أدى إلى زيادة الشقاق وتوتر الأمور بين الزوجين ومن ثم وقوع الطلاق.
· حينما أحاطت المياه
بالنملة من جميع الجهات (عدا جهة واحدة صغيرة)، لا شك أنها وُضِعَت تحت ضغط جعلها
تتخذ قرارا خاطئا مع إصرارها عليه مما أدى ذلك إلى هلكتها. ولذلك علينا ألا نتسرع
في قراراتنا عندما نتعرض للضغط النفسي أو للغضب الشديد، لأن هذه القرارات في هذا
الوقت لن تكون صائبة، وربما نندم عليها طوال حياتنا. ولذلك الأفضل لنا بأنه في حال
التعرض لضغط شديد، يجب أن ننتظر حتى يستقر وضعنا النفسي، ويصفو الذهن، ثم نتخذ
قراراتنا بعد أن نكون قد هدأنا واستقر وضعنا الانفعالي.
· النملة افتقرت للمرونة،
وهي القدرة على العودة إلى الوضع الطبيعي بعد التعرض للضغط، بل وصل بها الأمر إلى
فقدان القدرة على التعامل مع الظروف الصعبة، ولم تحاول إعادة تقييم مسارها من أجل
التغلب على الموقف الصعب الذي مرت فيه. إن النملة أصرت على موقفها ولم تغير من
استراتيجيتها للوصول إلى هدفها؛ فهي أصرت على السير في مسار واحد دون الأخذ في
الاعتبار الخطط البديلة في حال واجهت مشكلة أثناء سيرها في طريقها. وعدم وجود خطط
بديلة جعلها لا تملك حلول كافية للتغلب على الظرف الصعب الذي واجته مما وصل بها
إلى نهايتها دون أن تصل لهدفها. لذلك يجب أن تكون لدينا خططا بديلة لتحقيق أهدافنا
حتى لا نتوقف عند نقطة تمنعنا من استكمال المسير.
إن هذا الموقف البسيط
كان مليئا بالدروس المستفادة، ولذلك أردت أن أنقل هذه الخبرة عبر هذا المقال الموجز
والبسيط. وأخيرا أوكد على شيء هام وهو: لا تتخذ قرارا وأنت تحت ضغط شديد، بل
حاول تهدئة نفسك بأي شكل من الأشكال (مثل: تغيير موضعك، أو الوضوء، أو الخروج
للتنزه، أو تطبيق تمرين التنفس للتغلب على التوتر والقلق الناشئ عن الوقوع تحت ضغط
معين، أو استشارة مختص في المجال، وغيرها من الأمور التي تهدئ من انفعالاتك وتعمل
على الوصول لحالة من الاستقرار النفسي الذي يمكنك من اتخاذ قرار سليم قدر الإمكان).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق