أثر الشورى في
تقوية العلاقات الأسرية (1-2)

بقلم: محمد كمال
مرشد نفسي وتربوي
الأسرة في المجتمع بمثابة ركاب في قارب يسير في البحر من
أجل الوصول إلى شاطئ النجاة، فالأسرة تتكون من الزوج والزوجة والأبناء - إن وجدوا،
وهم جميعا في قارب واحد يسبح في بحر الحياة، وجميع من بالقارب مسئولون عن سلامته
من أجل الوصول إلى بر الأمان. وهناك أدوات عدة يتسلح بها أفراد الأسرة من أجل
النجاة والعيش بسلام، وتعد الشورى من هذه الأدوات التي تساهم في استقرار الأسرة
وتحصينها من أي رياح قوية قد تهدد ترابطها.
ما هي الشورى؟
هي حوار بين طرفين أو أكثر، يتم فيه عرض الآراء ووجهات
النظر المختلفة حول موضوع معين، وذلك من أجل اختيار الأفضل والأكثر ملاءمة لطالب
المشورة.
ولتقريب الصورة أكثر، سأذكر مثالا موجها للزوج باعتباره
ربان السفينة. لو أن مديرك بالعمل دائما ما يستشيرك في أمور تخص سير العمل، أو حتى
أمور تخصه هو شخصيا، ما شعورك حيال ذلك؟ ما مدى حبك للمكان الذي تعمل فيه؟ ما هي
نظرتك لنفسك وتقديرك لها؟ فلو أجبت على هذه الأسئلة، حتما ستشعر بأهمية ذلك
بالنسبة لك وأيضا بالنسبة لأفراد أسرتك إذا ما طبقت ذلك في بيتك.
وقبل أن ننتقل لأهمية الشورى وأثرها على الأسرة، سنتطرق
لموقف السيدة أم سلمة رضي الله عنها مع زوجها النبي صلى الله عليه وسلم في صلح
الحديبية، وكلنا يعلم أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا غير راضين عن بنود هذا
الصلح، لدرجة أنهم رفضوا الامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يحلقوا
وينحروا، وعندها ذهب النبي صلى الله عليه وسلم لزوجته أم سلمى رضي الله عنها غاضبا
وحزينا، وقص عليها الأمر، فأشارت عليه بأن يخرج ولا يكلم أحدا ويقوم بالحلق
والنحر، وعندها سيفعل الصحابة مثله تماما، وبالفعل، أخذ برأيها وفعل ذلك، وكان
رأيها صوابا وامتثل الجميع لأمر النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا مثال رائع للشورى
بين الزوج وزوجته.
ولكن، قد يقول قائل، هل الشورى معناها أن ينفذ كل طرف
آراء الطرف الآخر؟، أو قد يقول الزوج أنه ليس لزاما عليه أن يعرض كل كبيرة وصغيرة
على زوجته، وأنه له القوامة، ولا يحق لها أن تتدخل في اتخاذ القرارات حتى لا تتعود
على ذلك فتشعر بأنها صاحبة الكلمة العليا، وهنا نقول له أن هذا التفكير ليس في
محله، وأنه ليس لزاما عليه أن يطبق جميع أراء زوجته كما هي، وإلا فإن الأمور ستتخذ
منحى آخر. وفي الوقت ذاته فإن استئثار الرجل
بالقرارات دون إشراك الزوجة فيها، له تبعات سلبية تضعف من العلاقة الزوجية وتفقد
الزوجة إحساسها بالانتماء وكذلك تزداد الحواجز
فيما بينهما، مما يؤدي إلى أن يكون البيت عرضة لعدم الاستقرار مع أول مشكلة تقابل
الطرفين.
كما نود أن نقول للزوجين أن الزواج هو شراكة بين طرفين،
فهما يعيشان في نفس المسكن، ويأكلان من نفس الطعام، ويعيشان نفس المستوى
الاقتصادي، فمثلا إذا كان مستوى الزوج المادي مرتفعا، فحتما فإن الزوجة سوف تنعم
معه بما يجود الله عليه من خيرات، وإذا كان المستوى منخفض، فسوف تعاني الزوجة أيضاً، ولذلك فإننا نطلق على الزوجة في لغتنا
الدارجة "شريكة الحياة" وكذلك الأمر بالنسبة للزوج فهو شريك الحياة
بالنسبة للزوجة، وبالتالي فإن مبدأ الشورى هو تحقيق لهذه الشراكة الهامة.
وفي المقابل فإنه ينبغي على الزوجة أن تشعر زوجها بقيمته
وأهميته داخل المنزل لأنه في بعض الحالات نجد أن الزوجة قوية الشخصية تحب أن تلعب
دور البطولة وتتعامل مع كل من بالمنزل كما لو أنها هي رب الأسرة الوحيد، تأمر
وتنهي وتتخذ القرارات في كل شيء دون الرجوع لزوجها، ولو اتفق الطرفين على أن
العقبات التي ستواجههم في الحياة الزوجية لن يتم تخطيها إلا بالمشاركة بالرأي
والمشورى بينهما فإنه حتما ستستقيم الحياة، لأنه لا غنى لطرف عن الطرف الآخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق